في اليوم العالمي للسعادة... دوام البحث عن معانيها للنجاة في زمن الرأسمالية والحرب
Credits: Antoine Jean Gros / Battle of Nazareth

في اليوم العالمي للسعادة... دوام البحث عن معانيها للنجاة في زمن الرأسمالية والحرب

في اليوم العالمي للسعادة، بلغنا القرن الحادي والعشرين ولا زالت المفاهيم تعجز عن إيجاد تعريف واحد مبسط ومتفق عليه لشعور الغبطة هذا. فالإنسان لطالما كان يبحث عن السعادة التي يراها ضرورية في حياته دون كلل منذ الأزل رغم احتمالية الفشل الكبيرة في الحصول عليها. لكن ما هي السعادة؟

وغياب السعادة في اليوم العالمي للسعادة لا يعني زوالها، بل فقط الاشتياق إليها وافتقادها.

البعض يرى السعادة في بعض الأشخاص، فيما يرى البعض الآخر السعادة في العمل وتحقيق مستويات معينة من تحقيق الذات العملي وقد تكون لآخرين في المال وتأمين حياة كريمة كانت أم فارهة، بينما يراها البعض في تحقيق حياة عائلية دافئة ومستقبل آمن لهم.

وفي العصر الرأسمالي، يقترن شعور الرضا بالسعادة، فما بين المنافسة في السعي إلى المال والسلطة والعلاقات والأولاد... يكون الإنسان نفسه بضغط من المجتمع والأوهام المحيطة سبباً في تعاسة نفسه بينما تتوالى الأيام على مرأى عينيه.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن حاجات الناس ورغباتهم تختلف باختلاف شخصياتهم وطباعهم، محيطهم والمجتمع، وعدة تأثيرات خارجية أخرى تجعل من السعادة هدفاً مختلفاً لكل شخص.

ومفهوم السعادة وفقًا لعدة نظريات وأسس علمية، يتركز في عوامل منها تحقيق الرغبات الحقيقية، وتحقيق التوازن بين جوانب الحياة، وتطوير القدرات الشخصية.

وهنا يأتي دور علم النفس الإيجابي في فهم العوامل الأساسية من ثم الشخصية التي تساهم في تعزيز سعادة الإنسان. فكل شخص يتربى بين أشخاص مختلفين على أفكار معينة ويمرّ بتجارب تكوّن شخصه وتصقله بدقة أكبر يوماً بعد يوم.

وبينما يعبر أحدنا في ظرف صعب يجعل منه إنسان أقوى تعّلم مجابهة الظروف بما تتطلّبه من ردات فعل، كانت الصعاب سبباً في تدمير آخر قضى سنوات في جهود إصلاح الذات وتعلّم الصمود والمرونة.

وبشكل عام، يتعلق مفهوم السعادة باستمرارية محاولات تحقيق التوازن والرضا الداخلي من خلال التفاعل مع الحياة والسعي لتحقيق الأهداف والرغبات الشخصية ومجابهة الظروف. فالسعادة تعتمد على التوازن بين كل جوانب الحياة بشكل شامل، بما في ذلك الأبعاد النفسية والاجتماعية، إلى جانب الأبعاد الاقتصادية والصحية.

وفهم السعادة لا يمكن فصله عن التعريفات غير المادية الشائعة، مثل سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، واستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.

غير أن أهمية الروحانيات والعوامل الغير مادية لا تلغي أهمية العوامل المادية والخارجية. فحياة الإنسان ليست دفئاً وسلاماً ورفاهية وهناء على الدوام بل قد تحدث منغصات كثيرة خارجة عن إرادة الإنسان وتحول بينه وسعادته واطمئنانه وأمنه التي يسعى إليها، مثل الأمراض والأوبئة والعيوب والإعاقات الجسدية والفقر وشح الطبيعة والحروب والكوارث والاستبداد والظلم والموت…

والمواطن العربي يكبر ليجد نفسه مفعماً ومشبعاً بتعريفات السعادة الروحانية الراقية ليرددها كما رددها أسلافه من قبله ليورثها بدوره للأبناء والأحفاد من الرضا بالأمر الواقع والقسمة والنصيب وعدم الاعتراض على الضيق أو صعوبة الحال أو استحالة الأوضاع.. غير أنه يجد نفسه معظم الوقت مفتقدها ومتشوقاً من أجل تحقيق هذه السعادة، حتى وإن عجر عن سرد جوهرها عنده أو وجد حرجاً في المجاهرة ببعضها.

وعندما سئل إيلون ماسك عن مفهومه للسعادة، وهو من أغنى رجال العالم وأكثرهم تحقيقاً للأهداف بعمر لا يتجاوز الـ50، تردد في الجواب ثم أجاب بصيغة الماضي، أنه كان سعيداً. وهذا يعني أنه لم يتمكّن لا بماله ولا بعمله من تحقيق السعادة.

ولا زالت الأمم المتحدة تعرف اليوم العالمي للسعادة بـ"أنه يوم تشعر فيه بالسعادة والسرور".

وتقول إنها دشنت قائمة تحوي 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة "يراد منها إنهاء الفقر، وخفض درجات التفاوت والتباين، وحماية الكوكب"، على اعتبار أن هذه مقومات في مجملها يمكنها أن تؤدي إلى الرفاه والسعادة.

لكنّنا اليوم في 2024، ولا زالت تتوالى الأزمات والكوارث أبرزها الحروب وآثارها المدمرة. فالفراغ الأمني لعقد من الحروب والصراعات في دول مثل أوكرانيا وبورما وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين، والاحتقانات السياسية والأمنية في دول مثل العراق ولبنان، والأزمات الاقتصادية وضغوطها اجتماعية كثيرة في دول مثل مصر وتونس والجزائر والأردن والمغرب تؤثر في على افتقاد المواطن للسعادة في هذه الدول.

وقد يرى البعض أن الحديث عن السعادة، لا سيما بعد حرب على غزة، من الكماليات أو الخيال البعيد. لكنهم يغفلون عن أهمية السعادة والأمل في هذه الظروف بشكل أساسي لتحقيق "التوازن العاطفي" وبالتالي عدم الانجراف وراء المشاعر السلبية التي قد تؤدي إلى الأمراض والاضطرابات النفسية والجسدية.

لا شك أن الصراعات والنزاعات المسلّحة التي شهدها مناطق في العالم، تترك آثاراً لا يستهان بها على نفسية الرجال والنساء والأطفال وتخلّف صدمات نفسية عابرة للأجيال تؤدي إلى إعادة تجربة الصدمة من جديد.

وفي زمن الحرب، يُحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية كاللعب والضحك الأصدقاء التي لا تقل أهمية عن التعليم والصحة والأمن والحماية، وتجبرهم على مواجهة مشاهد العنف والدمار والقتل والتشريد وتعرّضهم لخطر الاستغلال.

والأولوية هنا هي الحاجة لتجنب التركيز على المشكلة، وشغل الدماغ بأفكار سلبية ومحاولة فهم الأسباب التي أدت لوقوع ما حدث وطبيعة الحرب الشرسة والجانب المظلم للإنسان حتى لا تتكوّن ردود فعل سلبية تجعل الدماغ بطيئاً في إيجاد الحلول، ولا ينتبه لأي فكرة تساهم في إثراء دورنا الذي يجب أن نقوم به. ومن ثم نتعطّل كأشخاص ووتداعى فاعليتنا.

في الختام، السعادة شعور معنوي لا يرى بالعين ولا يقاس بالكم أو يشترى بالمال، فهو ينبع من داخل الإنسان بصورة أساسية سليمة ولا يجب أن نجعل من الخارج مصدراً نستوفي منه قيمة الذات وشعور الرضا المزيّف حتى لا نكون سبباً في عذاب أنفسنا بل نتحوّل لكتلة من الطاقة الإيجابية على شكل هالة يشعر بها الناس أينما حللنا امتثالاً للقول "السعادة هي أن تعرف من الدنيا ماذا تريد، ثم تسعى لتحقيق ما تريد".

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3