وطن خصب ودولة عقيمة
Credits: INFO3

وطن خصب ودولة عقيمة

تتباهى القرعاء بشعر ابنة خالتها، يقول المثل. ويفاخر اللبنانيّون المأزومون في الداخل حول السيادة والرغيف والحرب والسلم، وحتى المصير، بالجماليّات والمثل اللبنانيّة في الخارج: في فترة زمنيّة واحدة، يُعطى أمين معلوف أرفع منصب أدبيّ في فرنسا، ويصبح نوّاف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدوليّة، بينما هو قادم من بلد يعجز فيه القضاء عن النظر في أضخم انفجار في تاريخه. وأخيراً، تنال فتاة من صيدا ياسمينا زيتون لقب الوصيفة الأولى لملكة جمال الكون.

الفكر والعدل والجمال في جانب، وتحيّة إلى الحرب في الجانب الآخر. وبين الإثنين انقسام في العمق النفسيّ والاجتماعيّ يزداد عمقاً واتّساعاً، وما كان في الماضي مهارة في جمع الأضداد، أصبح نموذجاً لنشر الفُرقة والتكاره والحض على الانفصال. وقد أدّى ربط الوضع في غزّة بالوضع في لبنان إلى انهيار في منطق التخاطب بين الأفرقاء، خصوصاً في وضع اقتصاديّ يقترب من خوف المجاعة في أوساط كثيرة.

في الماضي كان لبنان قادراً على الاحتفاظ بوجهين، مثل أسطورة "جانوس"، واحد عسكريّ والآخر ثقافيّ، لكن مثل هذا التوازن، أو التوازي، لم يعد ممكناً اليوم. التجاذبات أقوى من مقاومتها، والمراحل الرماديّة انتهت إلى الخيار الوحيد، بين أبيض وأسود، لأنّ القضيّة لم تعد مسألة خيار سياسيّ، وإنّما تحوّلت خلافاً جذريّاً حول نهج الحياة برمّتها.

الاختلاف في أسلوب الحياة ليس جديداً، الجديد هو الاختلاف الكلّي في النظر إلى الحياة والموت. وفي الماضي كان الخلاف بين اليسار واليمين، أو بين العروبيين والانعزاليّين، لكنّه اليوم نزاع وجوديّ حول شكل المستقبل، بعدما دخل في الصراع عنصر لم يكن وارداً من قبل، هو العنصر الإيرانيّ، بكلّ قواه الثقافيّة والسياسيّة والعسكريّة.

الصراع إذن، على مجموعة هويّات حتّى ضمن الهويّة الواحدة، وهو لم يعد سياسيّاً فقط، بل يتغلغل في جذور الطوائف باحثاً عن المزيد من أوجه الفرقة وعلامات الخصومة وسبل التباعد. وقد كان مشهد الحوثيّين يحتفلون بخناجرهم في وسط بيروت واحداً من المظاهر التي تتكاثر في هذا الاتجاه.

اختيار أمين معلوف ونوّاف سلام وياسمينا زيتون لمثل هذه المواقع العالميّة، ترف لطالما تمتّع به لبنانيو الداخل والخارج، لكنها ليست ساعة ترف، إنّها كما وصفها تشرشل، ساعة العرق والدموع. وقد كان لبنان دائماً وسط كلّ العواصف. إذا لم تمرّ به، ذهب هو إليها، أو دعاها إليه، قدر الأوطان الخصبة والدول العقيمة.

 

(صحيفة الشرق الأوسط)


* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3