أفول الديمقراطيّة

أفول الديمقراطيّة

في مثل هذه الأوقات والأزمات تُكرّر دائماً، على سبيل المقارنة حكايات الفارق بين الأنظمة الديمقراطيّة وعكسها. فيقال إنّ الحكومة السويسرية إذا أرادت قطع شجرة طرحت المسألة على استفتاء شعبيّ. الحكاية في حدّ ذاتها ممتعة. أمّا المقارنة فهي نوع من الهبل، لأنّ الاستفتاءات في بلدانهم تجري بين الناس. أمّا عندنا فهي تعدّ وتقام وتعلن نتائجها في غرفة واحدة.

 

وهذه العدوى المريحة انتقلت للجميع في مهرجان مفتوح، والدعوة عامّة. المستر بايدن جاء إلى تلّ أبيب ورمى أميركا في الحرب إلى جانب إسرائيل، وبعدها تذكّر أنّ عليه أولاً، طرح المسألة على الكونغرس بحسب النص الدستوريّ. و"الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" (لقبها الرسميّ)، شرَّدت 3 ملايين بشري، ودمّرت بيوتهم، وطمرت 50 ألفاً منهم تحت الركام، وقوّضت حياة ذويهم إلى مائة عام، بموجب قرار من حكومة أقليّة، رئيسها ملاحق أمام القانون، وأعضاؤها مجموعة من المرضى.

 

حتى بريطانيا، أم الديمقراطيّة وأستاذة القانون، تبعت المستر بايدن منذ اللحظة الأولى، وعلى وجه السرعة، قبل وصول القضيّة إلى مجلس العموم. لذلك، لم تكن هناك أيّ مفاجأة في تجاهل مجموعة الممانعة لفكرة الوقوف على خاطر شعوبها في ساعة المصير. للمرة الخامسة أو العاشرة، رأى جنوب لبنان نفسه فجأة بين الشهادة والحياة. ورأى "حماس" تجنّد المقاتلين في أرضه من دون اطلاع أهله على الأمر. وهجر نحو 50 ألف جنوبيّ بيوتهم إلى الشمال، كأنّما في روتين معهود، أو مألوف. وبسبب حال الانقسام والغياب، وازدراء الدولة التي لا وجود لها أصلاً، يعيش لبنان برمّته في شلل كلّي. وقد اعتاد أهله نغمة النهاية، وتهديدات نتنياهو بالعدم، وأقصى ما يستطيعون فعله هو توسّل "حماس" ألَّا تتهمهم بالخيانة والتقصير.

 

ليس مهمّاً ماذا تريد أكثريّة اللبنانيّين، فهي غير قادرة أصلاً، هي وديمقراطيّتها ودستورها، على انتخاب رئيس للجمهوريّة، أو إجراء تشكيلات عسكريّة.

 

الديمقراطيّة البالية هنا، ليست أسوأ حالاً من أحوالها في بلدانها الأصليّة. وأدّت حرب غزة، فيما أدّت، آخر المظاهر الديمقراطيّة في العالم. ولسويسرا أن تقطع ما تشاء من أشجار. شعوب بأكملها تقتلع من جذورها والملايين في العراء، والكونغرس الأميركيّ لديه قضيّة واحدة: معاقبة النائبة الفلسطينيّة الأصل رشيدة طليب، لأنّها انتقدت الجريمة في غزذة، وكونغرس الحريات.

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3