أُمّة في مخيّمات
Credits: INFO3

أُمّة في مخيّمات

تدور حرب طاحنة في مخيّم عين الحلوة، صيدا، بين أجنحة "حماس" وحركة "فتح"، ولا يُسمح للدولة اللبنانيّة بأكثر من بيان في يوميّات القتل. ويمضي حاكم مصرف لبنان السابق نهاره متشمّساً في مسبح فيلاّته، من دون أن تجرؤ الدولة على إبلاغه بمذكّرات التحقيق المحليّة والدوليّة التي تطلبه للعدالة، باعتباره "مجهول الإقامة". وتقوم خمس دول بالعمل على تهيئة انتخاب رئيس لبنانيّ، لأنّ أيّاً منها ليست على اتصال بالدولة اللبنانيّة، أو تثق في قدرتها على شيء.


ويشاهد اللبنانيّون كلّ مساء في نشرات الأخبار آلاف النازحين السوريّين الجدد يعبرون الحدود لينضموا إلى الملايين الذين سبقوهم، ولا يرون شرطيّاً يسأل نازحاً واحداً، إلى أين؟ وغنيٌّ عن التذكير بأنّ بؤس المخيّمات السوريّة والفلسطينيّة لا بؤس بعده، لكن القيادة السوريّة مأخوذة بوضع سياسيّ واقتصاديّ واجتماعيّ لا سابق له. أمّا القيادة الفلسطينيّة فمنشغلة بتدبير خلاف أبو مازن.

أدمن اللبنانيّون خدر عدم وجود الدولة، فالأمل بوجودها متعب ومرهق ومضيع للوقت. وقع في عاصمتهم أقوى انفجار في التاريخ، ومُنعت الدولة من التحقيق. واغتيل رئيس جمهوريّة في طريقه إلى حفل الاستقلال، ولم يسجل في الحادث "محضر". وأشرف رجل واحد على واحدة من أكبر الكوارث الاقتصاديّة في تاريخ العالم، ولا يزال "مجهول الإقامة". سمّى المفكر بلال شرارة ذلك "يوميّات القتل العادي". تشاهد الناس آلاف اللاجئين يقتحمون أرضها، وتتصرّف كأنّ المشهد في بورما. أهم الأشياء في حياة الأمم ودساتيرها، أيّ رئاسة الدولة، منتزعة من يدّ اللبنانيّين أو إرادتهم.

أوّل شيء استهدفته منظّمة التحرير في "اتفاق القاهرة" كان سيادة الدولة ومنعها من البقاء في الجنوب. وأوّل شيء فعلته سوريا كان إدخال آلاف الحشود بأسلحتهم ومدرّعاتهم من دون إبلاغ الدولة. ثمّ سلّمت قرار لبنان إلى ضابط مخابرات، باعتباره لا يستحقّ أكثر من ذلك.

ليست الدولة أسعد حظاً مع النفوذ الإيرانيّ. لقد تكبّد وزير خارجيّة إيران السيّد حسين أمير عبداللهيان، مشاق الرحلات إلى بيروت مرّة بعد مرّة لكي يؤكّد أنّ بلاده لا تتدخل في شؤون لبنان.

هذه ليست سياسة عابرة، بل قضيّة مبدأ عام: من سوريا إلى العراق، ومن اليمن إلى الدرة، لكنّها في لبنان الأكثر وضوحاً، لأنّ إيران تمارس الازدراء المطلق للدولة مثل المنظّمة، سوريا من قبل. وفي زيارته إلى بيروت، لم يكلف السيّد عبد اللهيان نفسه لقاء رئيس الحكومة.

الفريق الضعيف، أو المغيَّب دوماً هو لبنان الرسميّ، حتى في الشكليّات لا حساب له، بل حتى في اللياقات ورفع العتب. الاتفاقات مع منظمة التحرير قضت بمنع دخول الدولة اللبنانيّة المخيّمات حتى لإجلاء الجرحى. والسيّد هنية يقوم بزيارتها من دون أن يعرّج بزيارة رفع عتب على مسؤول. وما من أحد يعرف حرب مَن هي حرب "عين الحلوة": حرب تحرير القدس أم حرب الجثث الملقاة على أرض مخيّم لا يليق بالحياة، فكيف بالموت.

غير أنّ القصة تبقى قضيّة الدولة في لبنان: دائماً كانت ضحيّة اللبنانيّين وتخلّيهم وزبائنيّتهم واستزلامهم وتجارتهم، وأيضاً ضحيّة العرب الذين كان أسهل عليهم مناصرة القويّ، بدل حقوق الضعيف. النتيجة... تفكّك عام، وشعوب بلا حقوق، وأمّة في المخيمات!!

 

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3