زيتونَة أو ليمونَة
Credits: INFO3

زيتونَة أو ليمونَة

تعرّفت إلى نزار قباني قُبيل يونيو (حزيران) 1967، وكان سحر الشخص شبيهاً بسحر الشاعر. مزيجٌ من الدمشقيّ الساخر، والأندلسيّ الغنائيّ والمتمرّد الأبديّ. تحوّلت المعرفة إلى مودّة، ودامت المودّة ما بين بيروت ولندن حتى مرحلة الغياب. بعد ظهور "دفاتر النكسة"، تحوّل نزار إلى آسرٍ لجميع العرب. وعلى نحوٍ ما رأينا في قصائده نوعاً من الانتصار على الهزيمة التي ضربت جميع الأفئدة، وعذبت جميع العقول. وأخذت صورةُ شاعر المرأة تتلاشى بينما ارتفعت صورة الفارس العربيّ الممتشق سيفاً وقصيدة، بل كان أقرب في الخيال القوميّ إلى صورة "دون كيشوت"، الذي يعرف الجميع أنّه يحارب طواحين الهواء، ولكنّهم يعرفون أيضاً أنّه صادق وطيّب ويعني ما يقول.

لم أتفق في مضيه في كتابة الغزل، رغمِ كونهِ قد جاوزَ سنَّ العشقْ. وصارَ يبدو واضحاً للجميع أنّه يفتعل خيالات لا وجود لها من أجل أن يستمرّ في الكتابة، وبالذات من أجل المحافظة على صورتهِ المتعلّقة بالنساء.

بلغَ نزار ذروته الشعريّة والروحيّة، ليس يومَ هزيمة العرب، بل يومَ قَتلَ "العرب" بلقيس، تلك الأميرة القادمة من بين النهرين لكي تكون إلى جانبه في بيروت عاصمته المختارة، وعاصمتها، بل وعاصمة جميع العرب آنذاك.

أعودُ دائماً إلى قراءة نزار مستثنياً على الدوام غزلهُ المتأخر، وهجاءاته المتأخرة أيضاً. وكلّما قرأت تأكّد لي أنّ "بلقيس" هي أجمل وأعمق وأصدق ما كتب: "ما زلتُ أدفع من دمي.. أعلى جزاء كي أسعد الدنيا، ولكن السماء شاءت بأن أبقى وحيداً مثل أوراق الشتاء". أتأّمل الخريطة العربيّة من ليبيا إلى لبنان، مروراً بسوريا والعراق، واليمن والصومال وأتذكّر نزار:

"سأقول في التحقيق: كيف غزالتي ماتت بسيف أبي لهب... كلّ اللصوص من الخليج إلى المحيط... يدمّرون... يحرقون... وينهبون... ويرتشون... ويعتدون على النساء... كما يريد أبو لهب"....

ويمضي الشاعر الحزين متابعاً ملحمته النادرة في جميع الآداب:

"... الكاذبون... يقرفصونَ ويركبونَ على الشعوب ولا رسالة... لو أنّهم حملوا إلينا... من فلسطين الحزينة... نجمةً أو برتقالة... لو أنّهم من ربع قرن حرّروا زيتونةً... أرجعوا ليمونةً، ومحوا عن التاريخ عارهُ... لكنّهم تركوا فلسطيناً ليغتالوا غزالة...بلقيس .. يا بلقيس ..

يا دمعاً ينقط فوق أهداب الكمان ..

علمت من قتلوك أسرار الهوى

لكنّهم .. قبل انتهاء الشوط

قد قتلوا حصاني".

(صحيفة الشرق الأوسط)

 


* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3