هل الحرب بين لبنان وإسرائيل حتميّة؟
Credits: INFO3

هل الحرب بين لبنان وإسرائيل حتميّة؟

تتَّسع، على نحو خطير، هوّة الحسابات بين إسرائيل و"الحزب"، في ما يخصّ مستقبل الحرب في المنطقة. يربط "الحزب" بين وقف القتال في جنوب لبنان، وبين الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، بوصفه تعبيراً عن منهج "وحدة الساحات"، الذي يتبنّاه محور إيران وميليشياتها. وفي المقابل، تطوّر الموقف الإسرائيليّ باتّجاه الإعلان عن فكّ الارتباط بين ساحتيّ لبنان وغزّة، بمعنى أنّ التهدئة في غزة لن تترجم تهدئة فوريّة في لبنان. يلقي هذا الاختلاف الضوء على الاختبار الأوسع والصعب الذي تتعرّض له نظريّة "وحدة الساحات"، منذ اندلاع الصراع في غزّة في أعقاب هجوم "حماس" صباح السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. فعلى الرغم من الادعاءات الشعبويّة المبهرة التي تنطوي عليها هذه النظريّة، فإنّها تواجه في الواقع عقبات عملاقة، تبدأ من أنّ أولويّة إيران هي الطموحات الجيوسياسيّة للنظام لا فلسطين في حدّ ذاتها بوصفها هدفاً، وتمرّ بتعقيدات المصالح الوطنيّة لأهل "الساحات" ممّن يقع عليهم الدمار والتخريب، وتصل إلى التفاوت الصارخ في القوّة بين الأطراف المتحاربة.

 

وفي مقابل المنطق الإيرانيّ المشار إليه إذن، تتعامل إسرائيل مع هذه الساحات بمنطق الحسابات المستقلّة التي تنطلق من خصوصيّات كلّ ساحة وتقدير مخاطرها وتأثيرها على الأمن الإسرائيليّ. وعليه، تستثمر إسرائيل مجريات الميدان لتفكيك نظريّة "وحدة الساحات"، من خلال كشف التحديات العمليّة التي تواجهها إيران في تفعيل هذه الاستراتيجيّة. وفوق ذلك، تهدف إسرائيل إلى تصوير تعامل طهران مع "حماس" والفلسطينيّين بوصفه نهجاً نفعيّاً استغلاليّاً، وإظهار الفجوة بين خطابها العالي الداعم للفلسطينيّين وبين تدنّي مستوى التزامها الفعليّ والعمليّ بقضيتهم في أوقات الحروب الحاسمة، كما هو حاصل الآن.

 

تدرك إسرائيل جيّداً الحسابات الاستراتيجيّة الإيرانيّة في تعاملها مع "الحزب" بوصفه درعاً استراتيجيّة لها و"الرصاصة الذهبيّة" في ترسانتها، إذا قرّرت إسرائيل مهاجمة المنشآت النوويّة الإيرانيّة. وتفهم إسرائيل أنّ الحفاظ على "الحزب" بالنسبة لإيران، بصفته خط الدفاع الأوّل عنها، أمر غير قابل للتفاوض، لكنّها تريد للجميع أن يدرك ذلك أيضاً. نعرف الآن مثلاً أنّ القائد العسكريّ لـ"حماس" في غزّة يحيى السنوار، ووفق وثائق للحركة صادرها الإسرائيليّون، كان متأكّداً أنّ إيران وميليشياتها سوف تهب لنصرة غزّة، وتحويل الجبهات التي تسيطر عليها إلى جبهة موحّدة، من دون أن يتحقّق ذلك بالفعل. أمّا خطابات زعيم "الحزب" حسن نصر الله عن معارك القدس والأقصى المقبلة، فتلعب اليوم ضدّ صاحبها، الذي قرّر الغياب عن المنابر، إلاّ في ما ندر، بعد أن كانت إطلالاته شبه أسبوعيّة في مرحلة من المراحل.

من الصعب أن يمر ذلك مرور الكرام على علاقات مكوّنات محور إيران ببعضها البعض، مع اتضاح أنّ "وحدة الساحات" مجرّد غطاء لاستراتيجيّة إيرانيّة تخصّ أهدافاً إيرانيّة أوّلاً وأخيراً، ولو على حساب الفلسطينيّين واللبنانيّين. وإذا كانت غزّة قد تركت لمصيرها عمليّاً، فإنّ على لبنان أن يعتاد على أن ما يعيشه اليوم من ضربات وهجمات واغتيالات وقصف، هو أسلوب حياته الجديد، الذي سيستمرّ بصرف النظر عن تطوّرات الوضع في غزة. إسرائيل، التي تدرك أهميّة "الحزب" في قواعد اللعبة الاستراتيجيّة الأوسع لإيران، تسعى إلى إخراج الحزب من المعادلة بشكل استباقي، في حال اضطُرّت في المستقبل لمواجهة إيران مباشرة، إن حصلت الأخيرة على قدرات نوويّة، أو اقتربت أكثر فأكثر من ذلك، على نحو يؤدّي إلى تغيير المشهد الأمنيّ الإقليميّ بشكل كبير. من هذا المنظور، فإنّ تحييد "الحزب" يضعف قدرات إيران الانتقاميّة، ويعيد ضبط التوازن الاستراتيجيّ لصالح إسرائيل. الديناميكيّات التي تتكشّف في لبنان، إذن، ليست مجرّد مواجهات عرضيّة، بل انعكاس لقواعد اشتباك إسرائيليّة جديدة، تركّز على استهداف وتدمير البنية التحتيّة العملياتيّة لـ"الحزب"، وإضعاف قدراته العسكريّة بشكل منهجي، بما يضمن إضعاف قدرته على الردّ بفعاليّة في حال توسّع الصراع. والحال، سريعاً ما تتبدّد الجاذبية النظرية لصفقة بين "الحزب" وإسرائيل، في ضوء الوقائع العمليّة على الأرض. فلا يوجد حل داخل علم السياسة للتعارض الأساسيّ بين التزام "الحزب" الآيديولوجي تدمير إسرائيل، وبين أيّ شكل من أشكال التعايش السلمي معه. وهنا، لا بد من ملاحظة أنّ نهج إيران الاستغلالي للقضيّة الفلسطينيّة لا يتناقض مع التزامها الفعلي تدمير إسرائيل، بل هما عنصران مكملان لطموحاتها الجيوستراتيجية الأوسع في الشرق الأوسط. فمن خلال ادعاء الدفاع عن الحقوق الفلسطينيّة، ودعم الفصائل المناهضة لإسرائيل، تجعل إيران من نفسها لاعباً محوريّاً في العالم الإسلاميّ.

 

أمّا موقفها في شأن تدمير إسرائيل فيخدم أغراضاً آيديولوجيّة تتعلّق بسلامة وديمومة النظام الثوري. يمكّن هذا النهج المزدوج إيران من إظهار القوّة، وتأمين مصالحها الجيوسياسيّة، وتعزيز شرعيّتها على المستوى المحلي وبين حلفائها الإقليميين. والحال، لا يتعلّق التوصل إلى اتفاق، بالنسبة لإيران و"الحزب"، في ظلّ الظروف الراهنة، بتحقيق السلام الدائم بقدر ما أنه لحظة مناسبة للتموضع التكتيكي. يمهّد هذا التلاقي بين آيديولوجيا "الحزب" الثابتة المدعومة من إيران وهوس إسرائيل الوجوديّ بعد 7 أكتوبر لحروب حتميّة تلوح في الأفق.


* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3