لا حياة للميليشيات ولو طال الزمن

لا حياة للميليشيات ولو طال الزمن

 

ورد في "وثيقة الوفاق الوطني" التي تُعرف بوثيقة الطائف، في فصل "بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية" ، ما حرفيته: "الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية".

إذا تتبعنا "خريطة الطريق" الآنفة الذِكر ، يتبيَّن لنا ما يأتي:

انتخاب رئيس الجمهورية تم في 1989

تشكيل الحكومة تم في 1989

إقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية تم في 21 آب 1990 .

فيكون "الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر  يفترض أن يتم في آخر شباط 1991، أي منذ أكثر من اثنين وثلاثين عامًا، لكن ذلك لم يُطبَّق إلا على القوات اللبنانية ، وعلى الحزب التقدمي الاشتراكي جزئيًا ، فـ"الحزب" وحركة أمل حافظا على سلاحهما، لا بل جرى تطويره ( أقله بالنسبة إلى "الحزب" ) إما باستيراده من إيران وأما من خلال تصنيعه في الداخل .

الحزب التقدمي الإشتراكي سلَّم سلاحه الثقيل (عشرات الدبابات والمدافع) إلى سوريا ، وأبقى على سلاحه الخفيف ، وهذا ما ظهر في أحداث 7 أيار 2008، حين واجه "غزوة " "الحزب" للجبل.

الفلسطينيون، بكافة فصائلهم ، حافظوا على أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ، ولاسيما في المخيمات في عين الحلوة والرشيدية ونهر البارد ، أو في معسكراتهم في قوسايا وأنفاق الناعمة ، ولو لم يكن هذا السلاح موجودًا ، كيف شنوا معركة ضد الجيش اللبناني في نهر البارد؟

ثمة مَن يقول إن هناك فارقًا بين "الميليشيا" و"المقاومة" ، لكن الحقيقة التي لا تحتمل جدلًا ، ان الطائف لم يتحدث لا عن "ميليشيا" ولا عن "مقاومة" حيث يرد في باب تحرير لبنان من الأحتلال الاسرائيلي :

الفقرة باء ، "التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949" .

الفقرة جيم ، "اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود المعترف بها دوليًا والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان لتأمين الانسحاب الاسرائيلي ولأتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود".

أين يمكن العثور على كلمة "مقاومة" في هذا النص؟ لم يتم العثور. في هذه الحال ، الميليشيات المسلحة ، سواء اللبنانية وغير اللبنانية ، موجودة بشكلٍ مخالف لاتفاق الطائف الذي أصبح دستورًا، وللقوانين المرعية الإجراء ، وكل كلام خارج هذه الحقائق هرطقة بهرطقة".

فمن محضر جلسة مجلس الوزراء في مطلع التسعينيات ، عن حل الميليشيات ، ورد ما يلي:

"حل التنظيمات المسلحة والميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الثقيلة والمتوسطة وذخائرها واجهزة الاشارة، والآليات الى الدولة اللبنانية ، وتُكلّف وزارة الدفاع الوطني تعيين اللجان اللازمة لذلك وتحديد الأمكنة التي تُسلّم فيها الاسلحة والذخائر".

بقي كثير مما تقرر حبرًا على ورق . ومع ذلك هناك مَن يخرجون ليقولوا: “لكن البيانات الوزارية ملأت الفراغ" ، حتى هذه المقولة مجتزأة ، فثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة"، لم ترِد في البيانات الوزارية إلا في الحكومة الأولى بعد مؤتمر الدوحة عام 2008 ، اي ان "الحزب" احتفظ بسلاحه بشكل مخالف للقانون على مدى سبعة عشر عامًا ، من العام 1991 إلى العام 2008 ، تاريخ ظهور ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" التي سمَّاها رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان بالـ"معادلة الخشبية".

أكثر من ذلك ، لا إمكانية للتعايش بين الدولة والميليشيا ، إما الدولة، وإما أن تسيطر الميليشيا على الدولة فتصبح هي الدولة، أم أن تبقى هناك"دولة”"و"" ، فهذه لم تُسجَّل في التاريخ وإذا سُجِّلَت تكون الغلبة لواحدة من اثنتين ، ولا تعادل بينها.

الشواهد على ذلك كثيرة ، من المقاومة الفرنسية إلى الميليشيا الفرنسية إلى الجيش الإيرلندي السري إلى المقاومة الإيطالية إلى المقاومة اليوغسلافية إلى المقاومة الجزائرية.

الجامع المشترك بين هذه "المقاومات" وهذه "الميليشيات"أن لكل منها حيثيتها وظروفها لكن لا تعايش بين الدولة والمقاومة والميليشيا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر :

المقاومة الجزائرية وصلت إلى السلطة ولم يعد هناك سلطة جزائرية ومقاومة جزائرية.

المقاومة الفرنسية لم تصل إلى السلطة ، وبعد الحرب العالمية الثانية رفض الجنرال شارل ديغول أخذ صور مع رجال المقاومة الفرنسي لئلا يكون هناك خلط بين السلطة الفرنسية والمقاومة.

عمل المقاومة عسكري بحت ويبقى سريًا وغير معلن، ولا تدخل في الشؤون السياسية ، تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى المقاومة الأيرلندية.

في لبنان وحده ، المفاهيم مختلطة : " جيش وشعب ومقاومة وميليشيا ومشاركة في السلطة وفي الانتخابات النيابية وفي وضع فيتوات على المرشحين للرئاسة".

بهذا المفهوم ، يختزل "الحزب" الثلاثية ، فيفرض نفسه على الشعب ، لكنه لا يستطيع القفز فوق الجيش، وهنا مأزقه الأساسي.

الشعب يبتعد عنه.

السلطة التي يحاول استلامها ، مهترئة.

لا يستطيع تلقف كرة نار السلطة لأنها تحرقه.

ولا يستطيع تركها لأنه لم يعد يستطيع العيش خارج السلطة لأنها توفر الحضانة السياسية له.

 

(جان فغالي)

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3