سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!
Credits: INFO3

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

ممّا لا شكّ فيه أنّ الاجتماع الأخير بين قائد "الحرس الثوريّ" إسماعيل قاآني والأمين العام لـ"الحزب" حسن نصر الله في بيروت شكّل إرباكاً، بل أزمة للحزب وحلفائه. فكما أصبح معلوماً، تمّ إبلاغ الأخير بطلب المرشد الإيرانيّ علي خامنئي بعدم رد "الحزب" على الضربات الإسرائيليّة، حتّى ولو تجاوزت قواعد الاشتباك، فإيران لا تريد أن تتوسّع الحرب وليس من مصلحتها أن تتواجه مع الولايات المتّحدة وتخسر مواقع جهدت طويلاً للوصول إليها، وأوّلها "الحزب" في لبنان، وقال قاآني إنّه إذا ما حصلت المواجهة الكبرى فإنّ إيران ستكون بمنأى عنها.

الموقف الإيرانيّ هذا الذي يولي مصلحة النظام على حساب الشعوب التي سيطر على قسم منها، شكّل إحراجاً لـ"الحزب"، ليس فقط مع البيئة الحاضنة، بل مع الشعب اللبنانيّ وعموم جبهة الممانعة. فبعد أن كان يصدح صوت نصر الله مهدّداً بقوّة الردع التي لديه والتي تمنع تمادي الإسرائيليّ أو حتى التجرؤ على الاعتداء على لبنان، بيَّنت الحرب الدائرة أن تهديده لم يكن في محلّه، فها هو الدمار الكبير لقرى بكاملها في جنوب لبنان، وتهجير عشرات الآلاف من السكان، وتوغّل الإسرائيليّ في عمق البلاد قصفاً واغتيالاً وترهيباً، ولا من رادع أو حتى ردّ متوازٍ لذرّ الرماد في العيون على الأقلّ. ويفرض "الحزب" تعتيماً إعلاميّاً محكماً على مناظر الدمار وأرتال السيّارات الهاربة شمالاً نحو بيروت حاملةً السكان المذعورين من تكرار أحداث غزّة على مناطقهم.

 

وفي خضمّ هذا الوضع المتأزم لدى "الحزب"، جاءت زيارة مسؤول التنسيق فيه وفيق صفا، لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة، إذ تقول مصادر مقرّبة من "الحزب" إنّ وفيق صفا أبلغ الإمارات استعداد قيادته لوقف القتال على جبهة لبنان الجنوبيّة وإعلان المنطقة الحدوديّة على امتداد الخط الأزرق منطقة منزوعة السلاح بوجود عسكريّ يقتصر على "اليونيفيل" والجيش اللبناني على أن يتم بعد وقف النار اتفاق على ترسيم الحدود البريّة، كما حصل في الحدود البحريّة. وتقول المصادر إنّ الردّ أتى سريعاً بأنّ إسرائيل لن تقبل بأيّ اتفاق مع "الحزب"، قبل أن يسلّم سلاحه بالكامل للجيش اللبنانيّ وعلى كامل الأراضي اللبنانيّة، فها هي العمليات الإسرائيليّة وصلت إلى بعلبك والهرمل. وقد نصح مسؤول إماراتيّ صفا بأنّ القبول بتسليم السلاح بالتراضي هو أفضل بكثير من نزعه بالقوّة ودمار لبنان. وعاد صفا إلى لبنان خالي الوفاض وتصاعدت وتيرة القصف الإسرائيليّ بعد ذلك. ونُقل عن المسؤول بعد خروج صفا من مكتبه قوله إنّ النزول عن المئذنة أصعب بكثير من الصعود إلى أعلاها، وهو يعني تسليم السلاح بعد المجاهرة بالقدرات الفائقة على المواجهة والردع، وأردف قائلاً إنّ على نصر الله أن يتجرّع كأس السم كما فعل قائده ومثاله الأعلى روح الله الخميني عندما وقّع وقف إطلاق النار مع صدام حسين بعد حرب دامت ثماني سنوات ذهب ضحيتها أكثر من مليون إنسان.

أمّا في ما يتعلّق باللبنانيين السبعة الذين حاول إخراجهم من السجون الإماراتيّة ولم ينجح، فقد أوضح السياسيّ والأكاديميّ الإماراتي عبد الخالق عبد الله في تصريحات لموقع "سبوت شوت"، وجود‏ شروط إماراتيّة للإفراج عن هؤلاء، وأنّ وفيق صفا عاد محمّلاً بها. "الشرط الأوّل أن يعترف الحزب بأنّه قام فعلاً بهذه النشاطات في الإمارات، وأن يكون الاعتراف علنيّاً أو تلميحاً، المهمّ أن يعترف بأنّ الإمارات كانت صادقة ولديها الوثائق وأنّه فعلاً قام بهذه العمليّات. أمّا الشرط الثاني فهو ألاّ يُكرّر الحزب هذه العمليات وهذا النشاط على أرض الإمارات، وأن يتعهّد بذلك كتابة وتصريحاً، وأن يتعهّد أيضاً بألاّ يُكرر مثل هذه الأعمال التجسسيّة على أرض الإمارات التي هي ليست أرضاً مستباحة لا للحزب ولا لغيره من الأطراف".

لكن ماذا عن إيران التي ترعى الحزب وغيره والتي هي مستعدّة لتدمير لبنان شرط ألاّ يطولها شيء؟ إن ما يرتكبه "الحزب" بحقّ لبنان ليس مغامرة بل جريمة، ثمّ إنّه فقد الكثير من وزنه الوطنيّ، لأنّ وضع إيران ليس بمثال يحتذى به.

من المفارقات أن بعض البلدان، التي تكافح ظاهريّاً مع التحدّيات الاقتصادية والقضايا المحلية، يبدو أنّ لديها وفرة من الأموال عندما يتعلّق الأمر بتمويل الحروب بالوكالة في المناطق البعيدة، كالحال مع إيران. يصوّر تخصيص مبالغ طائلة من المال للتدخّلات العسكريّة والعمليّات السرية في الخارج سوء إدارة الموارد المعروف وعدم التركيز على تلبية الاحتياجات الملحّة للسكّان. تخصّص طهران استراتيجيّاً ميزانيّة سنويّة تقدَّر بـ20 - 25 مليار دولار لنفقاتها العسكريّة، ممّا يعكس التزاماً كبيراً بالحفاظ على نفوذها وتوسيعه في المنطقة. ويصبح هذا التفاني المالي واضحاً بشكل خاص عند النظر في الدعم المحدد لمجموعات مثل "حماس". ووفقاً لوزارة الخارجيّة الأميركيّة، تدفع إيران 100 مليون دولار سنويّاً لتمويل "حماس" وحدها. لا يوضح هذا الالتزام مشاركة إيران النشطة في الديناميات الإقليمية فحسب، بل يؤكد أيضاً الدعم المالي الكبير المقدَّم لمختلف المجموعات، وتشكيل المشهد الجيوسياسيّ في هذه العمليّة. في ضوء التحدّيات المحليّة، المفروض أن تعتمد طهران نهجاً متوازناً يأخذ في الاعتبار كلاً من السياسات المحليّة والخارجيّة للحفاظ على توازن استقرار الأمة. وعلى الرغم من الأهمية الواضحة لتحقيق هذا التوازن، فإنّ الواقع على الأرض يكشف عكس ذلك.

 

مثلاً انطلقت مظاهرة في شكل احتجاجات في مقاطعة أذربيجان الغربيّة من سكان قرة قيشلاق. وكالعادة، قوبلت هذه الاحتجاجات بقمع وحشيّ، ممّا أدى إلى اعتقال 70 فرداً. وكان سبب الاحتجاجات الإعلان عن نيّة شركة "كافه صودا" بناء مصنع لإنتاج الزجاج. وهذه الشركة تابعة بشكل صارخ لـ"الحرس الثوريّ"، ومعروفة بتشويه البيئة في كلّ منطقة بنت فيها مصنعاً.

وفي المقابل، يطلق مصنع "كلور بارس" الواقع في منطقة "باسمنج" في تبريز، السوائل والنفايات السامة بشكل عشوائيّ في خنادق الريّ المحليّة خلال عمليّات الإنتاج. وأدّت هذه الممارسة إلى التلوّث المتفشي للمياه الجوفيّة والينابيع في المنطقة. وبالمثل، فإنّ تصريف السوائل الخطرة ومياه الصرف الصحيّ مباشرةً في نهر "باليغلو"، الذي يتدفّق عبر مدينة أردبيل، أسهم تدريجيّاً في تآكل الأراضي الزراعيّة القيّمة في المنطقة المجاورة. ويعمل النشطاء البيئيّون الأذربيجان بجدٍّ لزيادة الوعي بالجفاف المقلق الذي يمكن الوقاية منه في بحيرة "أورميا" لعقود أيضاً. ووفقاً لمرصد "ناسا"، تحوّلت البحيرة الآن إلى مسطّح ملحيّ شاسع وجاف في معظم الأحيان، الأمر الذي يدفع إلى الهجرة القسريّة، وزيادة في انتشار السرطان وأمراض الجهاز التنفسيّ. وتُعزى الحال الرهيبة لبحيرة "أورميا" في المقام الأوّل إلى البناء المفرط للسدود غير المنتجة، وسوء إدارة الموارد المائيّة، والافتقار المتعمّد إلى الاهتمام من الحكومة. وعلى سبيل المثال، تمنع السلطات الإيرانيّة نهر "باراندوز"، أحد مصادر المياه الأربعة عشر لبحيرة "أورميا"، من التدفق إلى البحيرة خلال فصل الشتاء.

من جهة أخرى، تشير التقديرات إلى أنّ نحو ثُلث السكّان في إيران يعيشون تحت خطّ الفقر المطلق، إضافة إلى انتشار زواج الأطفال. وهناك إهمال مقصود للأقليّات مثل الأتراك الأذربيجان والعرب الأهوازيين والبلوش وأعضاء الديانة البهائيّة.

في النهاية، تعكس السجلاّت الماليّة وسجلاّت الاستثمار نظاماً مستعدّاً لتخصيص أموال كبيرة للحروب بالوكالة مع إثبات عدم قدرته على تلبية الضروريّات الأساسيّة لمواطنيه. ويشير التآكل المتسارع للثقة في الحكومة الإيرانيّة، إلى جانب زيادة عدم الاستقرار على المدى الطويل، إلى زوال النظام الإيرانيّ المحتمل.

إنّ الاستقواء لن يدوم.

(صحيفة الشرق الأوسط)


* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3