ّعن المافيا التي أعادت لبنان إلى العصر الحجري!
Credits: INFO3

ّعن المافيا التي أعادت لبنان إلى العصر الحجري!

فات وزير الحرب الإسرائيليّ يؤاف غالانت الذي هدّد بإعادة لبنان إلى العصر الحجريّ، أنّ التحالف المافيويّ الميليشيويّ المتسلّط على لبنان سبقه إلى إنجاز هذه المهمّة!


في ظلِّ نظام المحاصصة الطائفيّ الغنائميّ، فرضت "موالاة" النظام و"معارضته"، قوى 8 آذار وما كان 14 آذار، دولة مقطوعة الرأس، وسلطة تصرّف الأعمال التي يتّفقون عليها. منذ إجهاض "انتفاضة الاستقلال" عام 2005، والذهاب إلى الاتفاق الرباعيّ، أنجزت القوى الطائفيّة الميليشيويّة أخطر عمليّة تحاصص للبلد والدولة، توزّعت الوزارات والمؤسّسات والإيرادات العامّة وانتقلت قبل 12 سنة إلى بدء السطو على مدخّرات الناس. وعند نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، الخبر اليقين! طيلة 18 سنة بعد إجهاض "انتفاضة الاستقلال"، عاش لبنان 4 سنوات من دون رئيس جمهوريّة. ونحو 5 سنوات، في ظلّ حكومات تصريف أعمال، ترافقت مع شلل المؤسّسات وتجويف أدوارها، وانعدام الخدمات، وطال الاهتزاز المؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة لتبدأ مرحلة استجداء "إعاشة" للعسكر، ومساعدة ماديّة متواضعة للعسكريّين للحفاظ على الهيكل العسكريّ ووقف التسرّب! وطيلة هذه الحقبة، استساغ تحالف الطائفيّين المافيويّين ممارسة الحكم من خلال الفتاوى، وبلغ الهزل الذروة في "العهد القويّ"، ليعلن جبران باسيل من دافوس، أنّه بالإمكان تعليم العالم كيفيّة ممارسة الحكم من دون موازنة، قافزاً فوق تتالي الإفلاسات واتساع البطالة وتمدّد العوز الذي راح يأكل جغرافيا البلد، مترافقاً مع احتجاز المصارف مدخرات الناس!

لقد شجّعت مناخات الاستثمار في الانقسامات الطائفيّة الغلو في ممارسات المتسلّطين الذين اطمأنّوا إلى رسوخ زعاماتهم، وعدم المساس بحصصهم، فتكرّر بعد عام 2015 تقطيع الوقت بطروحات "حواريّة" من جهة، ودعوات إلى إصلاحات من جهة أخرى، مع تجاهل أمرين هما الأبرز، الأوّل جعل الشغور في الرئاسة قاعدة والسير في مخطّط تهميشها، وهي الجهة المنوط بدورها استعادة البلاد نصابها القانونيّ، والثاني الامتناع عن مقاربة وجود دويلة متكاملة البنيان والأركان ضمن الدولة، لها جيش رديف يحول دون تطبيق ألف باء الدستور باستعادة السيادة من خلال بسط سلطة الدولة بقواها الذاتيّة... وعلى مقاساتهم الطائفيّة، ابتدعوا قانون انتخاب متصادمٍاً مع الدستور يسمح بتزوير التمثيل.

حادثة "كوع الكحّالة" أعادت إلى الذاكرة مآسٍ متأتية عن السلاح اللاشرعيّ، وأُرفقت بتحذير الميليشيا من عدم مسّ "طرق إمدادها".

حتى كتابة هذه المقالة، يشهد لبنان إدارة ظهر سياسيّة شاملة للارتكابات الجرميّة التي كشفها "التدقيق الجنائيّ" في مصرف لبنان. ولا يزال خارج القضبان محاسب منظومة الفساد رياض سلامة منظّم أكبر عملية "بونزي" لصالح تحالف مافيويّ ميليشيويّ متسلط، ويتمتّع بحماية سياسيّة أمنيّة وقضائيّة، رغم أنّ التدقيق كشف معطيات موثقة عن دوره الذي دمّر القطاع المصرفي والاقتصاد اللبناني وفق مخطّط: سرقة المودعين لتمويل المتسلّطين من سياسيّين وميليشيات وحكومات متعاقبة ومحتكرين (كارتل قوى طائفية) ومصارف مفلسة وتهريب و"اقتصاد موازٍ"، في رهان لجعل اللصوصيّة جسراً لكرسي الرئاسة!

عظيمٌ قرْعُ الطبول رفضاً لاستباحة "حزب الله" للبلد، وجيّد أنّ استفاقة متأخرة حدثت، بعد التغوّل في نهج جعل لبنان جغرافيا قاحلة وأرضاً محروقة، لكن قرع الطبول جانب المحاصصة الراسخة مع "الحزب" التي أذلت اللبنانيّين، لتبرز مشهدية توافق سريالي تمثل في امتناع التحالف السياسي عن تحمل مسؤولية يرتبها "تدقيق جنائي" وثّق نهب 76 مليار دولار من مصرف لبنان بين 2015 و2020، (ما يعادل 230 في المائة من الناتج المحليّ الذي بلغ 31 مليار دولار عام 2020)، ولتتجاوز المنهبة الـ100 مليار دولار؛ لأنّ الهدر بلغ 25 ملياراً في آخر 3 سنوات!

كان المطلوب تحرّكاً سياسيّاً لتوسيع التدقيق وشموله كلّ المغاور الحكوميّة والمصارف، في ضوء ما بيّنته الوقائع الجرميّة وما فيها من توزيع "عطايا" وتغطية تهريب السياسيّين للمليارات، وتزوير القيود وإخفاء الخسائر وتلطٍّ خلف شعار "الليرة بخير"، والبلد دخل مرحلة مجاعة عامّة! كان ينبغي رفع الصوت في وجه فضيحة الصمت القضائيّ، رغم مذكرات التوقيف الدوليّة والعقوبات الغربيّة على "عصابة الأشرار"! لم يحصل شيء لأنّ أكثر من 120 نائباً هم في موقع تشريع وضع اليد على "أصول الدولة" لنهبها. بصموا على أعمال لجنة "تقصّي الحقائق"، التي ضمّت ممثلين للقوى الطائفيّة، والتقت على الدفاع عن مصالح الكارتل المصرفي، ورفضوا محاسبة البنكرجيّة ومساءلتهم، وسبق لهم أن تشاركوا مع "حزب الله" البصم على ترسيم للحدود البحريّة حمل تخليّاً عن السيادة والثروة في صفقة بين إسرائيل وإيران بإشرافٍ أميركيّ!

لبنان المسيطَر عليه من جانب أبشع تحالف مافيويّ، من دون كهرباء ولا مستشفى ولا جامعة ولا مرفأ ولا بنى تحتية إلى هشاشة أمنيّة وهدر حقوق. أكثر مؤسساته ومتاجره مقفلة أكلها الغبار، وكبار في السن يحرسون المنازل الجبليّة الفارغة من الحياة، بعدما تحوّل البلد إلى منصّة هجرة للكفاءات والخريجين الشباب. لقد أعادوا لبنان إلى ما قبل العصر الحجريّ يا غالانت؟ لكن الصدمات المتتالية لا بد أن تفتح الأبواب على حال وقائيّة يصنعها الناس الذين لن يرتضوا بقاء لبنان في الحضيض!

(صحيفة الشرق الأوسط)

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3