الرئاسة اللبنانيّة: كلّهم انتصروا بانتظار أيّ تسوية!
Credits: INFO3

الرئاسة اللبنانيّة: كلّهم انتصروا بانتظار أيّ تسوية!




أدرك الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان قبل وصوله إلى بيروت أنّه مع التوازن السلبيّ بين "معارضة" النظام و"موالاته" دخل الاستحقاق الرئاسيّ في إجازة طويلة. وجد أمامه ساسة يعلنون كلّهم الانتصار بعد الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهوريّة. "حزب الله" مبتهج وفريقه بما يرونه رسوخ مرشّحهم فرنجيّة وصلابة تكتله، في حين قوى "التقاطع"، لا سيّما الثنائيّ جعجع وباسيل، تطالب "الثنائيّ المذهبيّ" بسحب مرشحه المهزوم! والأكيد أنّ السياسيّ الفرنسيّ استعاد خلال لقاءاته نعوتاً وصف بها أركان الطبقة السياسيّة بأنّهم: "سياسيّون لا يلتزمون تعهّداتهم، يتقاعسون عن أداء واجباتهم، منعدمو القدرة على تقديم الحلول". فهل توقّع نتائج مغايرة لما يعرفه عندما عاد لمحاورتهم بحثاً عن سبل الخروج من الشغور الرئاسيّ؟

على الأرجح لمس الموفد الفرنسيّ أنّ مرشّح "التقاطع" (الوزير السابق جهاد أزعور) لم ينتصر ومرشّح "الموالاة" لم ينهزم. وراجح بأنّ من التقاهم تجاهلوا الإشارة إلى "إنجازٍ" تمثل في التقاء المتنافسين على تزوير الانقسام الحقيقيّ القائم بين كثرة شعبيّة موجوعة وبين موجعيها، ولعلّه لاحظ أيضاً ارتياحاً لدى هذه القوى، كونها لا تتعرّض لأيّ ضغط شعبيّ، فالمواطن الذي "أشغلوه ببدنه"، وفق وصفة الحجاج بن يوسف لأهل العراق، لم يعد يعير الشغور الرئاسيّ اهتمامه لانشغاله بالبحث عن الرغيف وحبّة الدواء، وبات في موقع القبول بالتطبيع مع الجوانب الجديدة للانهيار، ما دام يفتقر للأدوات الكفاحيّة للدفاع عن حقوقه المنتهكة.

ولأنّ الزائر الفرنسيّ يعرف أنّ لا عوامل داخليّة أو خارجيّة مؤاتية لابتداع ما ينهي الشغور، توجّه بسؤال إلى محاوريه عمّا إذا كانوا يقبلون بمرشّحٍ توافقي، وما الآليّة لتحقيق ذلك؟ لقد أخذ في الاعتبار أنّ جلسة 14 يونيو (حزيران)، لم تكن لانتخاب رئيس للبلاد بقدر ما كانت اقتراعاً للإقصاء، عكست نسبيّاً ميزان قوى نيابيّاً رافضاً لمنحى "حزب الله"، التعطيل من أجل الفرض، لكن لا ترجمة له، لأنّه آنٍ وغير مؤثر على ميزان القوى الاستراتيجيّ في البلد، نتيجة الخلل الوطنيّ المقيم. والدليل أنّ الأكثريّات الـ"14 آذاريّة" السابقة لم تحقق ما سعت جهات ساذجة لترويجه، لأنّها لم تمنح أولويّةً لتعديل ميزان القوى، ليكون ممكناً إعادة بناء الدولة واستعادة الدستور كما كانوا يردّدون.

"معارضة" النظام "المتقاطعة" مع التيار العوني هي اليوم أمام منعطف لـ"التوافق" على الرئيس. أمامها قلق من سؤال الآليّة الغائبة، وعدم اليقين حيال أجندة الحوار، ما أيقظ المخاوف من أنّ "حزب الله" الذي يلبس لبوس "داعية حوار"، يضع فائض قوّته على الطاولة من أجل انتزاع "ضمانات" له، لسلاحه اللاشرعيّ، تكون مكرّسة في الدستور والمؤسّسات، فبعد الانتخابات البرلمانيّة التي أسقطت أكثريّته، تشدّد في التعامل مع الاستحقاق الرئاسيّ ملوّحاً بأنّه لا يزعجه الاستثمار في الشغور الرئاسي والفراغ في السلطة، وهو ككلّ الآخرين في موقع غير المهتمّ بتداعيات ذلك على المواطنين والبلد.

في جولة الحوار غير المباشر عبر لودريان التي لم تحرّك المياه الراكدة، برزت المطالب العرقوبيّة لـ"حزب الله"، وهو الذي لم ينجح بفرضها طيلة العهد العونيّ عندما احتكر القرار. مطالب عبّر عنها محمّد رعد أمام الموفد الفرنسيّ، تجاوزت الاتفاق على اسم الرئيس لتطال مصير السلطات اللبنانية كلّها، لأنّ "وجود رئيس جمهوريّة حليفٍ للحزب غير كافٍ كي يطمئنّ إلى موقعه في المعادلة من دون أن يكون شريكاً فعليّاً في الحكم"، على ما أكّدته جهات موثوقة، يعني دعوات الحوار "حمّالة الأوجه" التي يتم تردادها، تتجاوز "تسوية" عام 2016 وتسعى إلى "دوحة2"، استناداً إلى فائض القوة والخلل الوطني، والرهان على شركاء "أخصام" تشارك معهم تركيبة سياسيّة قتلت الممارسة الديموقراطية، وألغت المساءلة والمحاسبة، وحوّلت البرلمان إلى "لويا جيرغا"... تركيبة قد تكون طيّعة مقابل مكاسب ضيّقة والحفاظ على دور موهوم لها في إدارة الأزمة التي ستكون على حساب المسحوقين، ولا يلتفت إلى حرج البعض ووضعه آخرون أمام الحائط.

في طروحات "حزب الله" ما يشي بأنّ فرصة وصول فرنجيّة للرئاسة تراجعت، لكنّه متشبث به. وفي طروحاته لم يعد يكتفي بالقرار واحتكاره تشكيل الحكومات أقله منذ عام 2011، وإلزام السياسة الرسميّة رؤى وتوجهات الفريق الممانع، بل انتقل إلى المطالبة بضمانات دستوريّة تعيد النظر حكماً باتفاق الطائف من دون تسميته، والأرجح أنّه يراهن على "تفهّم" فرنسا الساعية لترميم صورتها من جهة، والحريصة من الأخرى على ضمان مصالحها الاقتصاديّة النفعية في لبنان وأبعد منه وصولاً إلى إيران.

ظالم ومدعٍ وغير حقيقيّ الزعم بأن انتخاب الرئيس، ضمن موازين القوى الحالية، ستنتج منه حكومة فاعلة منتجة، ويعيد إحياء المؤسسات، ويحقق الانتظام العام. ولئن كان النهج الذي استثمر بالانقسام الطائفي، كما "الثنائي المذهبي"، نجح في فرض التحاقِ أكثريّة نواب التغيير بخيار ليس خيارهم ونهج لطالما رفضوه، فأحدث تصويتهم الفارق الوطني بوجه تجبر "الحزب"، فهذه الحصيلة متعذر تقريشها لصالح الناس. إنّ مسار تغييب القضايا الحقيقيّة الاجتماعيّة وترابطها مع القضايا الوطنيّة، والسكوت على مخطط تزوير الانقسام، أدّى إلى تبييض صفحة المتسلّطين، وتلميع دور باسيل، وذهاب "حزب الله" بعيداً في طروحاته.

على ركام البلد الذي يتّسع، بعد تحطيم قدرات الناس وسلبهم مقدراتهم، ليس بسيطاً ما ينتظر المواطنين من جموح المتسلّطين ورغبات الاقتلاع أو الاستئثار على حساب أساسيّات النهوض وأولوياته... فكي لا تبقى الهزائم من حصّة الأكثريّة الشعبيّة، ويتقدّم خطر تلاشي البلد، هناك تحدٍ مرفوع بوجه بعض نوّاب التغيير والمستقلّين، لملاقاة الناس والقوى "التشرينيّة" لوصل ما انقطع؟ لأنّه الممر الإجباري المفضي إلى ميزان قوى جديد يبلور البديل السياسيّ القادر على استعادة الدولة المخطوفة والقرار وتحرير الرئاسة وفتح الملفات.

(الشرق الأوسط)

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3