لماذا قُتل يسوع؟
Credits: INFO3

لماذا قُتل يسوع؟

(نص من كتاب غسّان صليبي: "إنسانيّة يسوع... حوار مع بيئتي المسيحيّة"

في "الجمعة العظيمة"، يحيي المسيحيّون ذكرى صلب المسيح وموته. إضافة إلى تفسيرين دينيّ وسياسيّ متداولَين عن أسباب قتل يسوع، هناك تفسير ثالث أميل إليه شخصيّا وأفضّل أن أسمّيه "تفسيراً إنسانويّاً" أو إنسانيّاً.

التفسير الدينيّ المسيحيّ لا يبالي كثيراً بأسباب قتل يسوع، بل هو لا يحب استخدام كلمة قتل، طالما أنّ يسوع بالنسبة إليه قد مات من أجل خلاص البشريّة، مستجيباً مشيئة أبيه الذي في السماوات، وطالما أنّه قام بعد موته من بين الأموات.

ضعف هذا التفسير، كأيّ تفسير دينيّ آخر، أنّه لا يجهد لتقديم براهين على ما يقوله، لكنّ مشكلته الكبرى أنّه يناقض نفسه، فهو يريد أن يقول لنا إنّ يسوع تعذّب وصلب ومات فداء للبشر، لكنّه في الوقت نفسه يُفهمنا أنّ موته "مدبّر" من الله، بحيث يبدو لنا موته في نهاية المطاف مصطنعاً، ولا يجعلنا نتماهى تلقائيّاً وبسهولة كبشر، مع ظروفه ومعاناته.

التفسير السياسيّ يضعنا، على عكس التفسير الدينيّ، في الظروف التاريخية للقتل، محدّداً الأسباب وهويّة القتلة، فيسوع قُتل بقرار مشترك من السلطة الدينيّة اليهوديّة والاحتلال الرومانيّ، السبب الظاهر هو صراع على السلطة، فالتّهمة الموجّهة إلى يسوع كانت ادّعاؤه أنّه ملك اليهود.

المعطيات التاريخيّة بما فيها المعلومات الواردة في الأناجيل، تدعم التفسير السياسيّ، لكنّها تشكّك فيه أيضاً، إذ ليس أكيداً أنّ يسوع كان يشكّل خطراً سياسيّاً داهماً يستدعي قتله بهذه السرعة، فشعبيّته لم تكن قد توسّعت بعد، كما دلّت على ذلك رغبة الأكثريّة الشعبيّة آنذاك بإطلاق سراح براباس وليس يسوع من السجن، وهي الرغبة التي تمظهرت عندما طلب بيلاطوس البنطيّ من الشعب المحتشد أن يختار بين الإثنين. لذلك، أميل إلى الاعتقاد أنّ يسوع قُتل "لإنسانيته"، التي كانت تقض مضاجع رجال الدين والرومان على حدّ سواء.

فهو لم يُقتل لأنّه يسعى إلى السلطة، بل لأنّه يزدريها ويحتقرها، هو الذي قال "إنّ مملكتي ليست من هذا العالم"، و"لا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا معلّم لأنّ كلّكم إخوة، ولا تدْعوا أحداً على الأرض: يا أبانا لأنّ لكم أباً واحداً هو الأب السماويّ، وليكن أكبركم خادماً لكم، فمن يرفع نفسه ينخفض، ومن يخفّض نفسه يرتفع"، و"إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات".

قَلَبَ يسوع التراتبيّة بين البشر وأدان الفوقيّة والعنف والكراهيّة، وجعل المساواة بين البشر هدفاً أسمى تحقّقه المحبّة، أيّ أنّه زعزع الأسس التي تقوم عليها كلّ سلطة عائليّة أو دينيّة أو سياسيّة.

هم لم يقتلوه لأنّه نافسهم على السلطة، بل لأنّه سخر من القيم التي يقوم عليها البناء الاجتماعيّ السياسيّ الذي يتربّعون عليه ويستمدّون منه أموالهم وقوّتهم. أخطر ما فعله يسوع واستحقّ عليه القتل، أنسنة الدين واعتبار الإنسان هدفاً له، فقال إنّ الإنسان هو "سيّد السبت" أيّ سيّد الشريعة، وجعل حبَّ الآخر المعبر إلى ملكوت الله، وليس الصلاة، ولا تقديم الذبائح، ولا ممارسة الطقوس، نازعاً من السلطة الدينيّة أدوات سيطرتها على الناس.


بهذا المعنى، أفهم أنّ يسوع جاء ليخلّص الإنسان، عبر تحريره من الاستتباع للأنظمة الدينيّة والسياسيّة. تتلاقى النظرة الإنسانيّة هنا مع النظرة الدينيّة المسيحيّة التي تؤمن بأنّ الله، وبهدف خلاص الإنسانيّة، لم يرَ طريقاً أفضل لتحقيق ذلك سوى أن يتجسّد هو ويصير إنساناً.


إنّ قتل يسوع كان قتلاً لمحاولته أنسنة الله.


يبقى السؤال الأصعب في قضيّة مقتل يسوع: لماذا لم يدافع عن نفسه أمام بيلاطس عندما سأله هذا الأخير: "أأنت ملك اليهود؟"، بل أجابه "أنت قلت". التفسير السياسيّ يجد في ذلك اعترافاً من يسوع بأنّه كان يسعى إلى السلطة. والتفسير الدينيّ، الذي يرفض التفسير السياسيّ، يعتبر أنّ يسوع لم يشأ الدفاع عن نفسه، لأنّه أراد الاستسلام لمشيئة الله التي كانت تقتضي موته من أجل خلاص البشريّة.


التفسير الإنسانيّ يتجاوز التفسيرين الآخَرَين، فمن ناحية لم يشأ يسوع تقديم أيّ تنازل أمام سلطة يزدريها، ولا إعطاءها أيّ إشارة إلى أنّه خائف منها، ممّا يذكّر بإصرار سقراط على مواقفه عند محاكمته، التي أدّت إلى قتله. ومن ناحية ثانية، يبدو أنّ يسوع كان يعوّل على تدخل الله في اللحظة الاخيرة لإنقاذه، إذ صرخ، وهو ينازع على الصليب: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟".

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3