"جنود الرب" يهاجمون خلق الرب

"ممنوع الترويج للمثليين بأرض الرب"، صاح احد عناصر "جنود الرب"، وهم يحاصرون مجموعة من الأشخاص في احد مقاهي مار مخايل، بحجة انهم يروّجون للمثليين.

ربما بدا لنا ان معظم الشعب اللبناني بمسيحييه ومسلميه،

لا يأبه كثيرا اليوم لأخبار ومواقف حول الحب والجنس، حتى ولو أتت على لسان مراجع دينية وسياسية عليا تعوّد الشعب أن يلتزم بتوجيهاتها، فهم غارقون في البؤس واليأس والتعاسة،

ولم يعودوا يجدون في روحهم وفي جسدهم ما يعينهم على السعي من أجل اللذة والسعادة.

ليس هذا رأي الطبقة السياسية والدينية التي تشن حملة مسعورة منذ فترة ضد المثليين، بهدف إلهاء ء قطعانها البشرية عن بؤسهم وعن مسؤولية هذه الطبقة عن هذا البؤس.

فقد تعوّد المستبدون عبر التاريخ على استغلال عطش الناس للحب وللجنس، المحرّمين دينيا واجتماعيا، او غير المتوفرَين بسبب الضيقة المعيشية، وتحويل هذا العطش الى كراهية ضد الحب والجنس ومن يجسدهما.

من الضروري وسط هذه الحملة ضد المثليين، التي كان أبطالها منذ يومين مواطنون مسيحيون يطلقون على انفسهم اسم "جنود الرب"، لا بل أجد انه من الملحّ في مثل هذه الحالات، التذكير بموقف البابا فرنسيس من المثلية.

فلنقرأ جيدا ما قاله البابا حول الموضوع، إذ اعتَبرَ ان القوانين 

التي تجرّم المثلية الجنسية "غير عادلة"، وان "الله يحب جميع أبنائه تماما كما هم"، ف"ان تكون مثليا ليس جريمة"، مؤكدا أن الاساقفة الكاثوليك الذين يؤيدون القوانين التي تجرّم المثلية،

"يجب أن يخضعوا لعملية اهتداء وان يتعاملوا مع الآخر بحنان 

كما فعل الله لكل واحد منا".

ليس الجديد في موقف البابا، تقبله للمثلية الجنسية، فقد سبق ان عبّر عن ذلك مرارا، لكن الجديد هو في وضوح المبررات

التي يعطيها لموقفه، وترجمته لهذا الموقف في الدعوة إلى توعية الاساقفة، اي في محاولته تغيير موقف الكنيسة ككل

من هذا الموضوع، داعيا الاساقفة الكاثوليك "إلى الترحيب بافراد مجتمع الميم في الكنيسة".

وبهذا يؤكد البابا فرنسيس انه يمكن للمثلي أن يكون مسيحيا،

وان لا تعارض بين المثلية والمسيحية. في تبريره لهذا الموقف،

يتخذ البابا موقفا جذريا من الله والانسان والمسيحية.

فالله "يحب جميع ابنائه"، ولا فرق بين مسيحي وآخر او بين انسان وآخر، ويحبهم "كما هم"، وليس كما يريدهم هو

 أن يكونوا، او كما يريدهم الناس أن يكونوا". الله يحبهم "كما هم" اي بتنوعهم، بآرائهم المتعددة وباختلافاتهم،

الموقف هنا يتجاوز "مسامحة الآخر" إلى "قبول الآخر"،

فلا إدانة ولا دينونة، بل تأكيد أن الله يتعامل مع "كل واحد منا"

بحنان، وهكذا يجب أن نتعامل نحن والاساقفة مع الآخر المختلف.

لا أعرف ماذا يمكن ان يكون عليه موقف معظم المسيحيين في العالم وفي لبنان تجاه ما قاله البابا. هل يكون تجذر الموقف المعادي للمثلية الجنسية عند كثيرين، في الفكر والجسد،

أقوى من الثقة برأي رأس الكنيسة الكاثوليكية، لا سيما وان البابا يتعرض منذ انتخابه إلى حملة تصف بعض مواقفه بالهرطقة، من اساقفة ولاهوتيين ورجال فكر؟

لم يلجأ البابا كما يفعل الكثيرون، إلى العلوم الجينية والنفسية والاجتماعية، لتبرير موقفه المتقبل للمثلية الجنسية، بل اعتمد على نظرة إنسانوية لله، تصب بحسب رأيي في جوهر تعاليم يسوع، كما حاولتُ تبيانه في كتابي " انسانية يسوع". فبعد تصريح البابا، أصبح الموقف من المثلية الجنسية، وثيق الصلة بالموقف من الله والانسان والمسيحية، ومن هنا خطورته

واهميته في آن.

عُرفت بعض المناطق المسيحية مؤخرا بأنها المناطق اللبنانية التي يقصدها معظم اللبناتيين، دون خوف من رقابة دينية او مجتمعية تمنعهم من ممارسة اقتناعاتهم بحرية.

اي ان ما حصل أخيرا في منطقة مار مخايل "المسيحية" يعني جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، الذي لا يزالون يدافعون 

عن حرية الفكر والمعتقد، في ظل قضم هذه الحرية وتهديدها

في معظم مناطق الوطن الأخرى.

مسؤولية لجم "جنود الرب" تقع اولا على عاتق المسسحيين انفسهم، فيجب إدانة "جنود الرب" ليس فقط بسبب افكارهم، بل أيضا بسبب استخدامهم العنف ضد الذين لا يوافقونهم الرأي، وهذا مخالف للقانون كما هو مخالف لتعاليم يسوع المناهصة لكل أشكال العنف. ولا حاجة للقول انه مخالف للمواقف المعلنة للقوى السياسية المسيحية، التي تنتقد "حزب الله" لقمعه بالقوة كل من لا يوافقه الرأي. ولا بد هنا من لفت الانتباه الى وجود مواقف متعددة داخل البيئة المسيحية من الحريات الشخصية بما فيها مسألة المثلية الجنسية. حتى داخل حزب "القوات" هناك أصوات من مثل النائب عقيص ترفض تجريم المثلية، فيما آخرون هم أقرب إلى مواقف "جنود الرب".

انظر بالكثير من الايجابية للإختلاف بالرأي حول قضايا الجنس والزواج المدني في البيئة المسيحية، فهذه حالة صحية لا تطور للمجتمعات بدونها. ولعل النقاش حول المثلية الجنسية يفتح أيضا النقاش حول مواضيع أخرى من مثل الحرية الجنسية بشكل عام وما يتصل بها من مسائل لها علاقة بالدين وأحكامه في مجتمعات تعتبر نفسها "مدنية". فحتى التيارات العلمانية تتفادى هذه النقاشات، وتصب جام غضبها على النظام الطائفي فيما تتفادى المواجهة الفكرية مع بعض ما تطرحه المراجع الدينية.

وبالطبع ما هو مطلوب في البيئة المسيحية مطلوب منه أكثر في البيئات المسلمة، حيث تجرف "احزاب الرب" بلا هوادة معالم ثقافة الحرية في لبنان، تارة من خلال منع ارتداء المايوه النسائي وطورا من خلال طلب منع عرض فيلم "باربي"، إضافة إلى ممارسات يومية، تقمع حرية الفكر والتعبير، أكان عن طريق الدين او عن طريق العنف، او من خلال إعتماد عقيدة، تبرر استخدام الاثنين معا بحق المواطنين.

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3