إيران على حدود إسرائيل
Credits: INFO3

إيران على حدود إسرائيل

ليس بسيطاً أن تدمّر الطائرات الإسرائيليّة في دمشق مبنى يجتمع فيه قياديّون من "فيلق القدس"، وليس بسيطاً أن تعود نعوش من استُهدفوا إلى إيران لتنضمَّ إلى نعوش سبقتها. صحيح أنَّ إسرائيل كانت نفذت اغتيالات وهجمات على الأراضي الإيرانيّة نفسها، لكن الصحيح أيضاً هو أنَّ ما بعد "طوفان الأقصى"، ليس كما قبله.

هل نحن أمام حلول النزاع الإيرانيّ - الإسرائيليّ مكان النزاع العربيّ - الإسرائيليّ؟ وهل علينا التسليم بالتعايش طويلاً مع الضربات الدامية والمدوّية، وأنَّ مفتاح مستقبل النزاع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ موجود في طهران؟ وكيف يمكن الحديث عن حلول إذا كان المرشد الإيرانيّ يتوقّع زوال إسرائيل في فترة لا تزيد عن ثلاثة عقود، وأنَّ ساعات نُصبت في طهران لإحصاء ما تبقى من عمر "الورم السرطانيّ"؟

الغارة الإسرائيليّة على منطقة المزّة في دمشق بالغة الخطورة والدلالات. هل قرَّرت إسرائيل استدعاء إيران إلى حرب لا تستطيع الولايات المتحدة، إلاّ الانخراط فيها؟ هل يعتقد بنيامين نتنياهو أنّ لا مخرج من المأزق الحاليّ غير توسيع النزاع، رغم مخاطره وأثمانه؟ واضح أنَّ إيران لا تريد الحرب الواسعة. تفضّل خوضها بالتقسيط وعلى دفعات عبر الحلفاء والوكلاء.

أميركا نفسها تجاهد منذ شهور لمنع توسّع الحرب، لكنّ الحرب اتَّسعت، ولو بوتيرة مخفوضة. هناك الحرب الموازية التي يشنّها "الحزب" عبر جنوب لبنان بجرعات تزيد وتنقص، وهناك حرب الصواريخ والمسيّرات الحوثيّة في البحر الأحمر، وهناك أيضاً حرب طرد القوّات الأميركيّة من العراق على أيدي فصائل عراقيّة. وجاءت غارة المزّة لتضاعفَ تسخين الجبهة السوريّة، رغم أحوالها وضوابطها الروسيّة والواقعيّة.

ثمّة حقائق جديدة لا بدّ من الالتفات إليها في جزء من الشرق الأوسط، لنفترض أنَّ خليفة لنتنياهو أعلن تأييد "حلّ الدولتين"، وهو سيكون بالتأكيد مشروطاً بالاعتراف الكامل بحقّ إسرائيل في الوجود. هل تستطيع الحكومة اللبنانيّة المقيمة في عهدة "الحزب" التوقيع على الاعتراف بإسرائيل؟ هل تستطيع الحكومة السوريّة الاعتراف بإسرائيل، وهو ما سيحرم إيران من أهمّ الأوراق التي سهّلت انتشارها في "هلال الممانعة"؟ هل تستطيع الحكومة العراقيّة الاعتراف بإسرائيل بعد القانون الذي أصدره البرلمان العراقيّ بتجريم أيّ تطبيع؟

حفنة مشاهد تساعد على فهم مسؤوليّة إسرائيل عن الوصول إلى الوضع الحاليّ. في 1998، انعقدت في واي ريفر برعاية الرئيس بيل كلينتون المحادثات الفلسطينيّة – الإسرائيليّة، كادت الجلسة تطير لأنَّ آرييل شارون أراد التأكّد سلفاً من أنَّه لن يضطر إلى مصافحة ياسر عرفات. حين دخل القاعة، حيّاه عرفات من "جنرال إلى جنرال" ومدَّ يده، لكنَّه تجاهل المبادرة وجلس في مقعده قرب بنيامين نتنياهو. وحين تولّى رئاسة الوزراء، استعذب محاصرة عرفات وتدمير مقرّه. شكّل سلوك شارون ذروة العمى السياسيّ، لأنَّه انهمك بشطب الرجل الذي فتح نافذة "اتفاق أوسلو" متقبّلاً تنازلات لا يجرؤ أحد على تقبّلها.

المساهمة الكبرى في الدفع نحو الكارثة جاءت على يد نتنياهو، شارك في إغلاق النافذتين اللتين فُتحتا، وهما "اتفاق أوسلو" و"مبادرة السلام العربيّة". وظّف مناخات ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وغزو العراق لتقويض أيّ فرصة لإحياء التفاهم مع "شريك فلسطينيّ". تميّز بقدر غيرِ قليل من قصر النظر حين عدّ أنّ تقويض السلطة الفلسطينيّة انتصار لإسرائيل حتى ولو أدَّى ذلك إلى صعود تنظيمات مدعومة من إيران. وعلى امتداد عهده الطويل، رفض نتنياهو قراءة التحوّلات الجارية في بعض خرائط المنطقة وولادة "الجيوش الإيرانيّة" الجوّالة فيها واقتراب "المستشارين" الإيرانيّين من حدوده.

مساهمة الإدارات الأميركيّة المتعاقبة في صناعة الوضع الحاليّ في الشرق الأوسط كانت كبيرةً بالتأكيد. لم تقدّر أهميّة إنقاذ "اتفاق أوسلو". لم تدرك أيضاً أهميّة "مبادرة السلام العربيّة" وضرورة الضغط على إسرائيل للتوقف عن محاولات شطب "الشريك الفلسطينيّ".

مشهد معبّر عن افتقار الإدارة الأميركيّة إلى بُعد النظر. في دورة الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة التي عُقدت في ظلّ هجمات 11 سبتمبر، ذهب عرفات آملاً في لقاء الرئيس جورج بوش أو على الأقلّ مصافحته، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ الهجمات من فعل تنظيم "القاعدة". رفض بوش استقبال عرفات. وفي الحفلة المخصّصة لرؤساء الوفود، قال للأمين العام كوفي أنان: "هذا الرجل (عرفات) يعتقد أنّني سأصافحه. عليه أن يصافح نفسه بنفسه". وكان بوش ورث عن كلينتون تقويماً مفاده أنَّ "الفلسطينيّين ليسوا جديّين في البحث عن السلام". وكان كلينتون كمن يثأر من تعثّر جولات كامب ديفيد.

في المقابل، كانت إيران تتحرَّك على جبهات عدّة. ساهمت عبر العمليّات الانتحاريّة لـ"الجهاد" و"حماس" في تقويض "اتفاق أوسلو". تعاطت بحذرٍ شديد مع هجمات 11 سبتمبر. تعايشت في البداية مع الغزو الأميركيّ للعراق، ثمّ شاركت في استنزاف الوجود العسكريّ الأميركيّ فيه. نجحت في توظيف ظهور "داعش" لمصلحتها. نجحت أيضاً بمساعدة روسيا في إنقاذ الحلقة السوريّة الحيويّة لامتدادها إلى المتوسّط. كان قاسم سليماني مهندسَ الخيط الإيرانيّ، الذي يربط بغداد ببيروت عبر دمشق، علاوة على الاختراق اليمنيّ المتمثل بسيطرة الحوثيّين.

 

حين أطلق يحيى السنوار "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، وأطلقت إسرائيل حربها الوحشيّة في غزّة، كان الخيط الإيرانيّ قد اشتدَّ في الخرائط الأربع. وسواء كانت إيران على علم بلحظة انطلاق "الطوفان" أو لا، فإنَّ حدوثه كان متعذّراً من دون سياساتها وترساناتها الموزّعة في الإقليم. بدا واضحاً أنَّ إيران باتت تقيم على حدود إسرائيل عبر ترسانات وسياسات. صارت لعمليّة وقف النار شروط جديدة، وكذلك لـ"حلّ الدولتين"، لم تعد مشكلتها مع السنوار، مشكلتها مع المرشد.

 

(صحيفة الشرق الأوسط)

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3