الجدل حول جنس الملائكة والانتخابات الرئاسية اللبنانية

الجدل حول جنس الملائكة والانتخابات الرئاسية اللبنانية

في 29 أيار1453، أسقط الأتراك مدينة القسطنطينية. كانت تلك المدينة، "روما الثانية"، تعتبر سوراً يحمي المسيحية من تقدم الإسلام. ووفقًا للأسطورة، كان الكهنة الأرثوذكس في قصر الإمبراطور وأعضاء الحاشية منشغلين جدًا في مناقشة مسألة جنس الملائكة، حتى أصبحت سيطرة الأتراك على المدينة سهلاً. 

انهيار القسطنطينية هو أصل عبارة "جدل بيزنطي"، والتي تعني أننا نمضي الوقت في مناقشة أمور تافهة أو التشديد على تفاصيل غير مهمة مع تجاهل الأولويات الراهنة.

بعد 570 عامًا، يا للأسف، لا نزال نراوح مكاننا. وبينما تتراكم الأزمات الدولية والإقليمية والاجتماعية والاقتصادية والمناخية والأخلاقية والعائلية والتكنولوجية، يبدو أن أولوية العديد من قادة لبنان تكون في مكان آخر.

لقد تحوّل موضوع جنس الملائكة إلى اسم الرئيس المقبل. والسؤال الذي يدور على ألسنة الجميع: من سيكون الرئيس المقبل؟ وكأن أياً من المرشحين سيكون أفضل من الآخر. وكأن أحدهم سيتمكن من صنع معجزات لا يستطيع. غيره اجتراحها. 

هذه التساؤلات هي نتيجة لاستهتار جميع السياسيين الذين لم يتوقفوا عن تكرار أن من الممكن تغيير الأمور من داخل المؤسسات؛ وهذا نزاع ثرثري. العام الماضي، اندفع الجميع في الانتخابات التشريعية. وتنافست وعود بعضهم مع وعود البعض الآخر. وتبين أن التغيير والإصلاحات ليست سوى مسحوق سحري. كيف يمكن لقانون انتخابي ملوّث بمطالب الأحزاب الكبرى لتعزيز وجودها في البرلمان أن يوفر أي حل لوضعنا؟

ما يرفض السياسيون الاعتراف به هو أن لبنان يعاني بفعل الاحتلال الإيراني. وإذا رفضوا ذكر ذلك، فبسبب تعاونهم جميعًا في السماح لـ"حزب الله" بالسيطرة على لبنان. من اتفاقات الدوحة إلى مختلف البيانات الوزارية التي غرست ثلاثية "جيش وشعب ومقاومة"، إلى انتخاب ميشال عون رئيساً وقانون الانتخابات الذي في النهاية لم تستفد منه إلا الميليشيا الإيرانية. واليوم، يتجه العالم نحو التطرف بين العالم الحر من جهة والأنظمة الشمولية من جهة أخرى، ونحن نهتم باسم الرئيس المقبل لا غير.

اليوم، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحويل سوق العمل، مما يجعل مناطقنا التي تفتقر للإبداع مناطق غير ذات جدوى، ونحن لا نهتم إلا باسم الرئيس الآتي. اليوم، تهدد التغيرات المناخية بجفاف العديد من المناطق الجغرافية، ويمكن أن تتسبب في أكبر حركات الهجرة السكانية، ونحن نهتم باسم الرئيس المقبل. بالطبع، يحتاج لبنان إلى رئيس، ولكنه يحتاج خصوصاً إلى رئيس يحمل مشروعاً للبلاد. رئيس يحظى بدعم من المجتمع الدولي الذي سيساعد في إعادة بناء اقتصادنا الليبرالي. رئيس يستطيع أن يكسب ثقة الشعب وبخاصة كل من فقدوا الثقة بالأحزاب السياسية التي أدت بنا إلى الانهيار.


"حزب الله" يمتلك أسلحة، ولكن ماذا تعني هذه الأسلحة اليوم؟ يحضر هنا قول تاليران: "يمكننا فعل كل شيء بالحراب، إلا أن نجلس عليها". لا يمكننا تجريده من السلاح، ولكن يمكننا جعل أسلحته غير فعالة من طريق إقناع أتباعه ومؤيديه بأن المشروع الإيراني لم يعد قابلاً للتحقق ولا مستقبل له. تكفي الأداءات الاقتصادية للبلدان التي تسيطر عليها إيران لإثبات ذلك. سواء في إيران أو سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان، تنهار العملة، والسكان يعيشون بدون كهرباء، والنظم المصرفية والتعليمية والصحية لم تعد موجودة.

علينا أن نقوم بخيارات. أي لبنان نريد؟ هل نريد لبنان الذي عرفناه حين كنا أحراراً في المبادرة والتعبير والتفكير، وحين كانت تُحترم الملكية الخاصة وحقوق الإنسان؟ أم نريد لبنانًا يسوده الجهل المتخلف والمراقبة المطلقة، وحتى حرية ارتداء ملابس السباحة لم تعد محترمة. 


من أوكرانيا إلى تايوان عبر إيران، تطالب الشعوب بالحرية. إنها لا ترغب في العيش كأموات متحركينف. لنتوقف عن مجادلاتنا حول جنس الملائكة ونأخذ قطار الحرية قبل أن نفقد القليل الذي تبقى لدينا ولا سيما كرامتنا، قبل أن يُمعن محمد رعد في دَوسها

* Stories are edited and translated by Info3 *
Non info3 articles reflect solely the opinion of the author or original source and do not necessarily reflect the views of Info3